الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا طيبًا فيه, وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله, أما بعد:
لا بد أن يعيشوا المسلمين مع القرآن في جميع أحوالهم وفي جميع شؤونهم سواء في حالة الحرب أو في حالة السلم, في الليل وفي النهار, في السر وفي العلانية, في الصحة وفي المرض, لا بد أن نعيش دائمًا مع القرآن, لماذا؟ لأنّ نجاحنا وفلاحنا إذا أردنا النجاح والفلاح والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة فعلينا أن نعيش مع القرآن.
فهنا سوف نلقي نظرة تربوية إيمانية مع آية الكرسي, لماذا آية الكرسي؟
لأنّ آية الكرسي تغرس في قلبك العقيدة, آية الكرسي تعلقك بالله سبحانه وتعالى.
الآن مشكلة من المشكلات أنّ بعض الناس فقط يقرأ آية الكرسي ما يتأمل ما فيها من المعاني التربوية والعقائدية.
فآية الكرسي تربي فيك التعلق بالله سبحانه وتعالى, آية الكرسي تقوّي فيك وتجعلك قويًّا وشجاعًا وثابتًا ومقدامًا, آية الكرسي تجعلك لا ترجو غير الله, لا تخاف إلا من الله, لا تستعين إلا بالله سبحانه وتعالى.
ولهذا أحببنا في هذا اللقاء أن نلقي نظرة تربوية إيمانية مع آية الكرسي.
طبعًا فضل آية الكرسي, يقول النبي صلى الله عليه وسلم أنّ من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام لم يزل عليه من الله حافظ.
تصوّر الله يحفظك, يحفظك من كل شيء, يحفظك من شياطين الإنس وشياطين الجن, يحفظك من الهوام والدواب, يحفظك من أشياء قد لا تطرق على بالك, وهي أعظم آية في كتاب الله, تصوروا, ويقرأها المسلم في اليوم والليلة ما يقارب من ثمان مرات, بعد كل صلاة, الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء, وهي من أذكار الصباح والمساء, وكذلك قبل النوم, فيقرأها المسلم أو يعيش مع آية الكرسي في اليوم ثمان مرات.
لكن كما قلنا قبل قليل أنّ المشكلة أننا نقرأ آية الكرسي ولا نطبق ما في آية الكرسي, ولعل بعض الناس يقول كيف تطبقون آية الكرسي؟ نعم لأنّ فيها معاني عظيمة.
آية الكرسي يا أحبابي الكرام, الله جلّ وعلا يحدثنا عن نفسه سبحانه وتعالى, وما أجمل الحديث عن الله سبحانه وتعالى, أجمل شيء في هذه الدنيا أن نجلس ونتحدث عن الله سبحانه وتعالى, عن عظمة الله, عن كبرياء الله, عن جمال الله سبحانه وتعالى.
ولهذا نجد أنّ في آية الكرسي من أولها إلى آخرها -تصوروا- الله يتحدث عن نفسه, الله جلّ وعلا يعرفنا بنفسه سبحانه وتعالى.
بل القرآن الكريم -إخوة الإيمان والعقيدة- القرآن الكريم كله حديث عن الله سبحانه وتعالى, ما تجد آية في القرآن إلا وفيها الحديث عن الله سبحانه وتعالى -في الغالب-, إما بذكر اسم من أسمائه سبحانه وتعالى أو بذكر صفة من صفاته أو غير ذلك, هذا مع التأمل والتدبر والتفكر, ولكن نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحيي قلوبنا, أصبحنا نقرأ كلام الله ولا نتدبر ولا نتفكر ولا نتأمل ما فيه من المعاني والأسرار العظيمة العجيبة.
طبعًا آية الكرسي فيها خمسة أسماء لله جل وعلا, الله ذكر لنا أنّ من أسمائه: الله, والحي, والقيوم, والعلي, والعظيم.
بدأ الله سبحانه وتعالى, استفتح هذه الآية باسمه (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الله, شوف بداية مشرقة, واسم (الله) ذو الألوهية والعبودية الذي يُعبد سبحانه وتعالى حبًّا وتعظيمًا, نحن نعبد الله سبحانه وتعالى حبًّا فيه سبحانه وتعالى لما أغدق علينا من نعم, وكذلك تعظيمًا لله جل وعلا.
الاسم الثاني -نحاول نختصر بقدر الإمكان- (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ), (الْحَيُّ) الله يخبرنا الآن يقول إنّ من أسمائي (الْحَيُّ) أنا الحي, فالله له الحياة الكاملة سبحانه وتعالى, حياته جل في علاه لا يتطرقها نقص ولا عيب ولا خلل سبحانه وتعالى, حياةٌ كاملة, بعكس حياة الإنسان, حياة المخلوق, سُبِقت بعدم ويلحقها زوال, أما الله جل في علاه حياته لم تُسبق بعدم ولا يلحقها زوال جل في علاه.
طيب ماذا نستفيد من هذا الاسم (الْحَيُّ)؟ الله سبحانه وتعالى يقول لعبيده أنا الحي, لا يجوز لنا أن نتوجه إلى المخلوقين بالدعاء والاستغاثة, لا نتوجه إلى الأموات, إلى القبور, لماذا؟ لأنهم يموتون, الله سبحانه وتعالى قال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) الله هو وحده الذي لا يموت, وكل من في السماوات والأرض يموتون, فلماذا تذهب إلى المخلوق العاجز الضعيف القاصر وتستغيث به وتدعوه وتترك الله الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
الاسم الثالث من أسماء الله سبحانه وتعالى في هذه الآية العظيمة: (الْقَيُّومُ), فالله جل وعلا يعرّفنا بنفسه ويقول لنا إنني أنا القيوم, ما معنى القيوم؟ أي القيوم القائم بنفسه والمقيم لغيره.
الله سبحانه وتعالى هو الغني لا يحتاج لأحدٍ من خلقه, لكمال غناه جل في علاه, بعكس المخلوق, المخلوق يحتاج إلى أشياء كثيرة, لا يستطيع أن يستقل بنفسه؛ فهو يحتاج إلى الطعام والشراب, يحتاج إلى النكاح, يحتاج إلى الطبيب إذا مرض, يحتاج إلى أشياء كثيرة, هو ما يستطيع أن يستقل بنفسه عن مساعدة الآخرين, أما الرب العظيم الكبير سبحانه وتعالى فهو القائم بنفسه, وكذلك ثانيًا مقيم لغيره, الله أكبر, كيف؟
يعني كل من في السماوات ومن في الأرض, الملائكة والإنس والجن الحيوانات والبهائم والنباتات كلها لا تستطيع أن تستغني عن الله سبحانه وتعالى طرفة عين, فهي بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى حاجةً ماسة وضرورية.
هذا ماذا نستفيد منه يا أحبابي الكرام؟ نستفيد منه وقفة تربوية وهي أنّ الإنسان دائمًا يستعين بالله, إذن الله سبحانه وتعالى قائم بكل من في السماوات والأرض لأنه هو القوي العزيز القادر المقتدر المتين المهيمن سبحانه وتعالى.
طيب لماذا أنا لا أستعين بالله؟ لماذا أذهب إلى فلان وعلان؟ لماذا أذهب إلى المخلوق الفلاني وأستعين به؟ طبعًا إذا كان هذا المخلوق غير حاضر لا يجوز.. إذا كان في شيء لا يقدر عليه إلا الله لا يجوز أن تستعين بالمخلوق, فلهذا الله سبحانه وتعالى يربينا في هذه الآية أننا لا نتوجه إلا إلى الله وحده لا شريك له لأن الله بيده مقاليد كل شيء, بيده خزائن كل شيء, بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير, هذه كلها صفات لله, الله سبحانه وتعالى في القرآن حدثنا بها عن نفسه سبحانه وتعالى.
(الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) السِّنة ما هي؟
السنة هو النعاس, مقدمة النوم, (وَلاَ نَوْمٌ) فهذا لكمال حياة الله عز وجل, ولهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام قال: "إنّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" لأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم سبحانه وتعالى فهو لا ينام, فلهذا ينبغي أنّ هذه القلوب تتوجه إلى القوي العزيز الملك العظيم سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية جل وعلا, هذا يفيدنا فائدة تربوية أنّ الإنسان دائمًا يشعر بالخوف والوجل من الله سبحانه وتعالى, لماذا؟ لأن الله معك, والله سبحانه وتعالى لا يغفل عن الإنسان مهما ذهبتَ إلى أي مكان, في السماء, وأنت في الأرض, وأنت في خندق أو أنت في مغارة أو في أي مكان, الله سبحانه وتعالى معك, فانتبه واحذر أن تخالف أوامر الله سبحانه وتعالى, دائمًا تراقب الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يغفل, والله لا ينسى سبحانه وتعالى, فينبغي على العبد أن يكون دائمًا على خوف ووجل, يحسب ألف حساب لكل كلمة تصدر منه, أن لا يغتاب, أن لا يكذب, يحسب ألف حساب لكل فعل حتى لخطرات القلب, ما يخطر في بالك, الهواجس التي في عقلك لا بد أن تحسب لها ألف حساب؛ لأنك تستشعر أنّ الله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) الله أكبر, الله يقول أنا لي ما في السماوات وما في الأرض, فينبغي علينا أن نحسن الظن بالله, هذ الفائدة التربوية: إذا دعوت الله بشيء تستشعر أنّ الله غني, أنّ الله ما يردني؛ لأن الله هو أكرم الأكرمين, أرحم الراحمين, أجود الأجودين, له ما في السماوات وما في الأرض, فتدعو الله وأنت توقن بالإجابة لأن بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى, ولا تخضع لغير الله, لا تخضع لا لملك ولا لرئيس ولا لأكبر إنسان, ولا تخضع لأقوى قوة على وجه الأرض ما تخضع لها ولا تخاف منها, لماذا؟ لأن هؤلاء كل من تراه على وجه الأرض كلهم عبيدٌ لله أذلاء فقراء محتاجين لا يملكون لأنفسهم شيئًا, هو الذي بيده كل شيء سبحانه وتعالى.
ثم قال سبحانه وتعالى يعرفنا بنفسه: (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) هذا دليل على أيش؟
الآية التي قبلها دليل على مُلك الله سبحانه وتعالى, أنّ مُلك الله مُلك شامل مطلق سبحانه وتعالى.
(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على كبرياء الله, وعظمة الله, وجلال الله, أن ما أحد يشفع عنده إلا لمن أذن له, الله عز وجل هو الذي يأذن ثم بعد ذلك إذا أذن الله يشفع, إذا لم يأذن الله ما يشفع.
(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) ما معنى ما بين أيديهم؟ أي في الحاضر والمستقبل, وما خلفهم: أي في الماضي.
إذن نستفيد من هذا فائدة تربوية وهي أنّ الله جل في علاه علمه شامل لكل شيء, يعلم ما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون, ماذا يحدث لك بعد عشرين, ثلاثين, أربعين سنة, الله يعلم.
أين تموت وكيف تموت, الله يعلم.
الله عالم بكل شيء, يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم, أي في الماضي ما ارتكبته من المعاصي والذنوب الله يعلمه, وفي المستقبل الله يعلمه, فلهذا ينبغي عليك يا أيها العبد الضعيف الذليل أن تفتقر إلى الله, أن تذل نفسك لله سبحانه وتعالى, ودائمًا تطلب من الله سبحانه وتعالى الإعانة والهداية والتوفيق والرشاد والسداد, وأن تحذر كل الحذر أن ترتكب ما نهى الله عز وجل عنه.
ثم قال سبحانه وتعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) الله يخبرنا أن أنتم يا أيها العبيد ما تستطيعون أن تحيطوا بكل شيء, لأن الإنسان قاصر, الإنسان ضعيف عقله عاجز, فلا يستطيع أن يحيط بكل شيء (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) الله جل وعلا أخبرنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنّ له وجه, وأخبرنا جل في علاه أنّ له يد سبحانه وتعالى, وأخبرنا سبحانه وتعالى كذلك عن كثير من صفاته جل في علاه, ولكن نحن نثبت هذه الصفات ونقر بها ولكن لا نسأل كيف.
كيف وجه الله؟ كيف عين الله؟ -(تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) الله قال- الله له يد, كيف يد الله؟ هنا نقول: الله أعلم, ما نتعمق ولا نسأل كيف؛ لأن الكيف مجهول, ولأن الإنسان عقله قاصر لا يستطيع أن يتصور, عاجز, فلهذا العلماء يذكرون قاعدة يقولون أنّ العقل لا يدرك الأمور الغيبية, الله سبحانه وتعالى حدّثنا عن الجنة عن قصورها وأنهارها وأشجارها, لكن كيف القصر؟ الله أعلم, كيف أشجار الجنة؟ كيف الحور العين؟ كيف الأنهار؟ الله أعلم, كيف نهر من خمر ونهر من لبن؟ الله تعالى أعلم.
فنحن -حتى الإنسان يرتاح ويطمئن ويشعر بالاستقرار النفسي والسعادة القلبية- عند آيات الصفات أن تقول سمعنا وأطعنا وصدّقنا وآمنا, هذه القاعدة, هذا الواجب على كل مسلم في الأمور الغيبية يقول سمعنا وأطعنا وصدّقنا وآمنا.
هناك قاعدة ذهبية -انتبهوا لها- يقولون أنّ الأمور الغيبية لا نسأل كيف, ضعوها في بالكم لا تنسونها, الأمور الغيبية لا تسأل كيف, كيف هي الجنة؟ الله أعلم, الله أخبرنا عن الجنة, كيف أرض المحشر؟ كيف يكون عذاب القبر؟ الله أعلم, أمور الغيب لا نسأل كيف, نصدّق ونسمع ونطيع, هذا هو الواجب على كل مسلم.
فهنا الله عز وجل يقرر لنا حقيقة (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) إلا بما شاء أي إلا بما أطلعنا الله عز وجل عنه, فلهذا الإنسان لا بد أن يعترف بالحقيقة, وهو أنه قاصر وعاجز أمام عظمة الله, أمام علم الله, فلا يدخل نفسه في كل شيء ويتعمق ويفصّل, ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يسألون على كل شيء, وكان الرسول يقول الحديث مثلاً عن اليوم الآخر أو عن صفات الله وخلاص.
الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يضحك ربك من رجلين يقتل أحدهما الآخر وكلاهما يدخل الجنة. الرسول أخبرنا أنّ الله يضحك, تقول كيف؟ أقول لك لا تقل كيف, صفات الله لا تقل كيف, الأمور الغيبية لا تقل كيف, لماذا؟ كما قلت لكم, لأن العقل لا يدرك حقيقة عالم الغيب, فلهذا تقول سمعنا وأطعنا وصدّقنا وآمنا.
ثم قال سبحانه وتعالى –الآن يذكر الله سبحانه وتعالى شيء من عظمته-: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) ما هو الكرسي؟ الكرسي كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى.
الكرسي تصوروا هذا الكرسي ما نسأل كيف, كيف الكرسي؟ ومن أيش الكرسي؟ لا ما نسأل.
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) يعني تصوروا أنّ الكرسي الذي يضع رب العزة قدمه عليه, هذا (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) يعني أعظم وأكبر وأوسع من السماوات السبع والأراضين السبع, فكيف بالعرش, لأن العرش أعظم من الكرسي, ولهذا إذا سُئلت أعظم المخلوقات ما هي؟ فقل هو العرش, كما قال سبحانه وتعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إذن هذا هو العرش.
في لغة العرب يقولون العرش هو سرير الملك, لكن كيف هو العرش؟ الله أعلم, ما نسأل كما قلنا, أمور الغيب لا نسأل كيف, والله جل وعلا ذكر لعرشه ثلاث صفات في القرآن: العظيم, والكريم, والمجيد.
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) لا يؤوده يعني لا يثقله, لكمال قوة الله, وقدرة الله, وعظمة الله, أنّ الله لا يؤوده من في السماوات والأرض أن يحفظهما وأن يرعاهما سبحانه وتعالى, ما يعجزه شيء سبحانه وتعالى.
(وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) الآن الله جل وعلا ختم هذه الآية باسمين عظيمين, (الْعَلِيُّ) اسم من أسماء الله, ما معنى (الْعَلِيُّ)؟ قال العلماء الله له العلو في ثلاث أمور: علو في الذات, أي أنّ الله فوق عرشه سبحانه وتعالى, علو الذات. وعلو القهر -هذا رقم اثنين- أي أنّ الله قهر جميع المخلوقات, يعني أذلها لا تستطيع هذه المخلوقات أن تخرج عن إرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى. والأمر الثالث: علو القدر, أي الصفات, فصفات الله كلها عالية له الأسماء الحسنى والصفات العلا ليس فيها نقصٌ ولا خللٌ ولا عيبٌ سبحانه وتعالى, هذا معنى (الْعَلِيُّ).
ثم الاسم الذي بعده وهو الاسم الخامس (الْعَظِيمُ) أي أنّ الله أعظم من كل شيء, وأكبر من كل شيء, له العظمة في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته جل وعلا, ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
فانظروا رحمكم الله كيف أنّ هذه الآية كلها من أولها إلى آخرها كلها حديثٌ عن الله سبحانه وتعالى, نظرتم يا أحبابي الكرام كيف أنّ هذه الآية فعلاً تغرس في قلب العبد التعلق بالله, الثقة بالله, التوكل على الله, الاستعانة بالله, وأنّ الإنسان لا يخاف ولا يهاب من أحد, لماذا؟ لأنّ هذا الكون بما فيه كله بيد الله سبحانه وتعالى, فالإنسان يذل نفسه للخالق, اسمعوا هذه الحكمة: "ذل نفسك للخالق يسخّر لك المخلوق", بعض الناس للأسف الشديد يذل نفسه للمخلوق, لا, أنت تذل نفسك للخالق فالله عز وجل يسخّر المخلوق؛ لأن قلوب العباد كلها بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء سبحانه وتعالى.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لأن نتأمل كلام الله عز وجل وأن نعيش مع القرآن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.